ritأخباررأي الكتاب

عوالم الملك .. متعة الأماني في مصاحبة ولد الغزواني (ج: 1)

دعنا نسافر يا سيدي الرئيس إلى عوالم الملك في رحلة لها ما بعدها، وصدقني، ستعجبك هذه الرحلة وسيبهرك ما سترى فيها من العجائب.

فلا مراء فيما للأسفار من فوائد و قديما قال الشافعي رحمه الله:

 

“تَغَرَّبْ عَن الأَوْطَانِ في طَلَبِ الْعُلا

وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ

تَفَرُّجُ هَمٍّ، وَاكْتِسابُ مَعِيشَةٍ،

وَعِلْمٌ، وَآدَابٌ، وَصُحْبَةُ مَاجِد”

 

المُلْكُ ليس أمرا ينال بالسعي الحثيث ولا بتوفر مقومات أو مهارات محددة أو شهادات أو فنون أو علوم أو تخصصات أيا كانت.

 

بل حُسِم أمره من حيث جاء كل شيء، من حيث خُلِقَ كل شيء بين كاف ونون.

 

فالملك كالغيب، لا خيار لنا فيه.

 

يقول تعالى في محكم كتابه: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ صدق الله العظيم

فلا المال ينفع في أخذ الملك إن هو لم يكن مُقَدرا للساعي إليه، يقول تعالى في محكم كتابه: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

 

وقُصِدَ هاهنا، حسب ابن كثير، نعمة النبوة التي أنعم الله بها على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

 

إذا الملك بيد الله يؤتيه من يشاء، واصطفاء الله لطالوت وإتيانه الملك (النبوة) لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لم يسعيا فيه، ولم يكونا (مهيآن) له حسب ما أورد المفسرون، فلا طالوت كان ذا مال وجاه بين بني إسرائيل ولا العرب كان فيهم نبي قبل محمد، كما لم يكن فيهم نبي بعده صلى الله عليه وسلم.

 

أول الملك تجربة، وآخره حصد ثمار

الدلائل على أن الملك أوله تجربة وآخره حصد ثمار كبيرة، فالابتلاء الذي ألهم الله إليه طالوت كان تجربة وقتل جالوت على يد داوود وهزيمة الاعداء كان حصدا للثمار.

 

يقول تعالى: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾

 

والابتلاء الذي ابتلى به الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو معارضة قومه له وأذاهم لأهله ومحاولتهم قتله بكل الطرق، والحصاد جاء في القرآن الكريم غير منقوص بل موصوف بالكمال التام: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُم الْإِسْلَامَ دِينًا}.

 

 

الملكُ يا سيادة الرئيس لا يعتمد كليا على الخبرة، بل على الممارسة التي تحدد معالمه، وهيأته وشكله وأسلوبه وتَقَبٌلُ الناسِ له.

 

وهنا جاز لي القول إنك ـ يا سيادة الرئيس ـ مصطفى لحكم هذه البلاد من مالك الملك، وستُمتَحن مثلك مثل كل ملوك التاريخ، امتحاناتهم كلها كانت صعبة وكانت فيها خيارات قاتلة وأخرى محيرة.

 

سأعود بك قليلا إلى طالوت، ولتضع نفسك مكانه، فماذا تكون ردة فعلك لو طُلِبَ منك أن تمنع جنودك الماء وأنت مقبل على معركة لا قبل لك بها؟

لقد كان الاختبار محيرا وصعبا، وغير مستساغ ممن لا يفهم القيادة.

 

ثم دعني أجعلك تعود إلى مُلْك آخر ربما عرفت فيه صورة الملك المغدور، لكن سأعطيك صورة أخرى عنه، ففي الصورة الأخرى “بروتوس” لم يكن خائنا لو نظرنا إليه من زاوية حب روما (البلد) ومن زاوية وصوله إلى هدف واحد هو تخليص الامبراطورية من طغيان قيصر “يوليوس” وقتئذ. هنا “بروتوس” بالمفهوم العصري “رجل وطني”.

 

فيوليوس قيصر طغى وتجبر وأصبح يمارس حكما فرديا طاغيا، ولهذا قرر من حوله من أعضاء مجلس الشيوخ تخليص روما من جبروته وطغيانه واختاروا لهذه المهمة أخلص اصدقائه، بروتوس والذي خطب في شعب روما بعد مشاركته في تصفية القيصر وقال لهم: “لم أقتل القيصر لقلة حبي له بل قتلته لشدة حبي لروما!”.

 

سينقاس نفس الكلام عليك سيدي الرئيس، هنا أنت رجل وطني، نعم تلك حقيقة لا مراء فيها، فلعلك اخترت وطنك ونظرت من زاوية توحيد الموريتانيين وهم مقسمون ما بين أشلاء متناحرة ـ لا تحتاج في ذلك إلى تفصيل فأنت تعرفه أكثر مني حتى ـ وما جعلت نفسك إلا فداء لتوحيدهم من منظور خطابك، ومن منظور أفعالك أيضا.

 

دعني أذهب بك إلى مثال آخر من أمثلة القيادة المتبصرة الحكيمة ومن القرآن دائما.

 

واسمح لي، ففي هذه المرة سأقدم لك مثالا عن سيدة شغلت الناس وملأت الدنيا، إنها بلقيس ملكة سبأْ.

 

لنذهب إلى هناك وننظر في حدائق قصورها وازدهار مملكتها ولنعرف كيف استطاعت أن تتعقل وتنقذ شعبها من حرب خاسرة أمام نبي يملك جنودا لا يعلمها إلا الله.

 

مستعد لنذهب إلى هناك.

 

هيا بنا. على بركة الله.

 

قال تعالى في سورة النمل: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ

إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ

قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾

 

سيدي الرئيس بلقيس هذه تحكم قوما لهم جيش ذو قوة وبأس شديد، نعم صحيح، لكن هل ستنفع قوتهم وبأسهم أمام قوة وبأس نبي آتاه الله جنودا من أنواع شتى، جن، وريح، وطير، وغيرها من الجنود التي لا يعلمها إلا الله؟

 

بلقيس هذه آتاها الله الملك، ومع ذلك لم يذكر القرآن تلك التفاصيل، لماذا لأن الملك الذي آتى الله سليمان لا يقاس أبدا بملك بلقيس، لكن ركز القرآن على رجاحة عقلها وحكمتها وبين ذلك،

 

لقد استشارت قومها، “الملأ” أي علية القوم، أي الشخصيات السامية من منظور حكمك اليوم، ورغم أنها قالت ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون،

رد عليها القوم مذكرين بقوتهم وبأسهم، ومتفاخرين بذلك، وردوا الأمر إليها لأنها ملكتهم وقائدتهم ويثقون فيها.

 

فهل طاوعتهم واغترت بقوتهم.

 

لا .. لأنها تعرف أن كتاب سليمان مختوم، وأن القول الذي فيه، كان قولَ راجحِ عقل، فامتحنته في عقله لتعرفه أكثر.

 

نعم الملوك يمتحَنونَ و يمتحِنونْ.

 

ماذا أجابت بلقيس علية القوم ؟

 

ردت عليهم : إني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون.

 

الملك الذي يقبل الهدية بعد أن ألزم بالسمع و الطاعة له، والعودة إليه طوعا، ليس بملك يخشى بطشه، لو كان الموقف ليس مع نبي لكانت بلقيس دمرت مملكة ذلك الملك.

 

لكن الموقف مع نبي الله سليمان عليه السلام الذي ملكه الله من القوة ما لا قبل لبلقيس وشعبها به.

 

هذا ما كانت بلقيس تريد أن تعرف، بالضبط، فذهبت إليه لأنها عرفت أن غايته ليست المال.

 

كانت بلقيس قائدة حقيقية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، و لم تستهويها استشارة المتفاخرين بالقوة من علية قومها.

 

فلو أنها أخذت برأيهم لهلكت وهلك شعبها، (قطاع واحد من جند سليمان عليه السلام يمكن أن يدمر ملكها في طرفة عين)، لو فعلت يا سيدي الرئيس لكانت اليوم في خانة فرعون ومن معه من الكفرة الفجرة، لا جعلنا الله ولا جعلكم في تلك الخانة.

 

أرأيتم ذلك، أفتوني في أمري، نحن أولوا قوة وبأس شديد، إني مرسلة إليهم بهدية.

 

طيب دعنا سيادة الرئيس نعود للقصر الرمادي اليوم،

 

كل الملإ من حولك لا يقولون إلا بنفس اسلوب المفاخرة الذي استخدمه مستشاروا بلقيس.

 

كل الملإ من حولك يتربصون الدوائر بعضهم بالبعض،

كل الملإ من حولك يتحينون الفرصة لتسديد ضربات لبعضهم البعض.

ويتنافسون بنفس تنافس ملإ بلقيس، على إرضائك وإظهار الولاء لك.

ستقولون لي يا سيادة الرئيس، طيب ما الحل إذا؟

 

الحل بسيط.

نعم بسيط جدا.

لا تقم بأي أمر قبل أن تستشيرهم وسيقدمون المشورة بطبيعة الحال و كل واحد منهم يتمنى أن تأخذ برأيه ورأيه لوحده. تأكد من ذلك دائما.

لكن، فلتقدهم، لا أن تستمع إليهم وتأخذ بآرائهم، وقتئذ سيكون القرار كأنما اتخذوه هم، وهنا يكمن انزعاج الشعب والنخب.

لا .. القرار يجب أن يكون قراركم أنتم، بمعنى أن القرارات المهمة يجب أن تزفها وتخاطب الناس بها و نيابة عن نفسك وتتحدث عن ما أنجزت، ودعني أنبهك على أن استخدام الجمع لا يليق بالقادة.

 

فلم يخطب قائد يوما مخاطبا بصيغة الجمع إلا وشتت أذهان الناس عنه، وهو الرمز لطمأنينتهم ولولائهم. (مرسلة، ناظرة، لأعذبنه، اذهب بكتابي..إلخ).

 

لقد عملنا على اصلاح،

لقد اتخذنا ما يلزم،

لقد قمنا بما يجب،

لقد قررنا،

كل هذه العبارات لا تجوز من قائد،

بل عليك دائما أن تعكس الموضوع،

لقد عملت على اصلاح،

لقد اتخذت ما يلزم،

لقد قمت بما يجب،

لقد قررت،

لكي تقنعهم كما يفعل القادة العظماء،

دعني أذهب بك إلى خبير القيادة جون غاردنر لوهلة واحدة ليقدم لك تعريفه لمعنى القيادة: “إنّ القيادة هي عملية الإقناع أو لعب دور القدوة التي يقوم من خلالها شخص ما (أو فريق قيادة ما) بِحَثّ مجموعةٍ على السعي من أجل أهداف يتبنّاها القائد أو يتشاركها مع أتباعه”.

 

عليك أن تكون مقنعا، أكثر، ولتكون مقنعا أكثر، يجب أن يقتنع بك مقتنوا أدوات الإقناع، فمَنْ هم؟

 

إنهم الإعلاميون

لنترك غاردنر والقيادة ولنذهب لخبير آخر هو منذر صالح الزبيدي يقول في مقدمة كتاب له: “إن كل الأنظمة السياسية في العالم لا تعيش في فراغ بل تتحرك ضمن أطر بيئية داخلية وخارجية تدفع آلية بمتغيرات تؤثر في مضمون صنع القرارت. وبما أن هناك علاقة بين وسائل الإعلام ودورها في صنع القرار السياسي وحجم ذلك الدور وصعوباته فان الإعلام بلا شك هو لغة الحوار الجديدة عبر الحدود الدولية فيمثل بشكل أو آخر حلقة الوصل بين الجماهير ومتخذي القرارات السياسية فيقع على عاتق هذه الوسائل (الفضائيات، الانترنت) على وجه الخصوص خلق حالة من التفاعل بين الرأي العام وقرارات السلطة السياسية وبات الأجدر بها أن تسعى جاهدة من أجل الأمن القومي والسياسي وإحداث تغيرات في المجتمع بطريقة تضمن حقوق جميع الاطراف وقد خلقت التقلبات السياسية المتتابعة في الدول كافة فجوة بين القاعدة الجماهيرية والسلطة الحاكمة. (انتهى الاستشهاد)”.

 

هذا بالضبط ما أريد أن أصل بكم إليه سيدي الرئيس، هناك فجوة يجب سدها. بإعلام مستقل عن النظام (الحاكم) وعن المنظومة الاقتصادية (الجبانة) بحسب المقولة (رأس المال جبان).

 

القرار السياسي من اختصاص الساسة، لكن لا وجود لكبير التأثير لأي قرار سياسي ما لم يسوق إعلاميا، ليس أن يعلم به الناس فقط، بل أن يعلمه الناس ويفهموا ماهيته، سياقه، مستوى الشجاعة فيه، مستوى الحكمة فيه، مستوى النجاعة فيه.

 

دعوني أعود بكم سيدي الرئيس إلى سبأ، من جديد، هذه المرة للإجابة عن سؤال مهم، وهو أين الإعلام في ذلك الزمن وما قصة الهدهد ذاك؟ ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِي لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾.

 

ربما، لعلكم سيدي الرئيس تستحضرون ما قاله الهدهد، تصور سيدي الرئيس، أن سليمان على كثرة جنوده وقوة ملكه، أخبره جندي بسيط كان موعودا بالعذاب والذبح، أنه أحاط بما لم يحط به.

 

وهناك أيضا الشمولية والإحاطة، فالاعلامي الحقيقي هو ذاك الذي يحيط بما لم تحط به، يا سيادة الرئيس.

 

وأيضا مصداقية الهدهد جاءت مرتكزة على الصدق وعلى الخبر (النبأ) ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾.

 

فهو أول صحفي في التاريخ، وكان مراسلا استقصائيا بامتياز، وقد جاء بخبر ذي أبعاد سياسية وعقدية واستخدم فيه فن التحريض بصيغة الاستغراب وفن التوكيد الذي يحتاجه الخبر كرسالة لها هدف.

 

أما البعد السياسي، فهو وصفه لملك بلقيس: ﴿إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾.

 

أما البعد العقدي، فهي عبادتها وقومها للشمس من دون الله ﴿وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ﴾.

 

أما بعده التحريضي بصيغة الاستغراب: ﴿أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾.

 

أما بعده التوكيدي الذي يوصل رسالة لها هدف فهو التوكيد على أن لا إله إلا الله: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾.

 

سليمان هو الآخر ضرب مثالا من أمثلة التأني والتحري والتدقيق في صحة الأخبار وعدم الحكم المسبق على الخبر كذبا أو صدقا، رغم دقة الوصف، وجودة الصورة ﴿قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾.

 

طيب يا سيادة الرئيس، ارهقتك بهذه الرحلة دعنا نعود للقصر.

 

سنسافر في رحلة أخرى من رحلات الملك، والقيادة وأساليب الحكم، قريبا إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى