الثلاثاء , 19 مارس 2024

ترسيخ للشورى واليقين بالله.. غزوة بدر.. فتحت آفاق النور للإنسانية

تدوينات ريم ـ هى أول معركةٍ من معارك الإسلام الفاصلة.. وقعت فى السابع عشر من رمضان فى العام الثانى الهجري، بين المسلمين بقيادة النبى صلى الله عليه وسلم، وقريش بقيادة عمرو بن هشام القرشى (المكنى بأبى جهل). إنها غزوة بدر، أو بدر الكبرى، وهى يوم الفرقان الذى فرق الله فيه بين الحق والباطل.

عنها يقول الدكتور أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلي للشئون الإسلامية: يوم بدر من الأيام العظيمة التي كتب الله تعالي لها الخلود، باعتباره علامة فارقة في تاريخ الإسلام، وفي تاريخ الصراع الضاري بين الحق والباطل.. وهو يوم الشجاعةِ والجراءةِ والبسالةِ والجسارةِ.. أعز الله فيه أهلَ الحقِ علي قلتهم، وخذل فيه أهلَ الباطلِ علي كثرتهم.

ومناسبة المعركة حينما قرر المشركون تغيير خط سير قافلتهم بأن تتخذ من حمي المدينةِ طريقًا لها، بعد أن كانت تتخذ ساحل البحر طريقًا لذهابها وإيابها.. ولكنهم أرادوا ذلك استخفافًا واستفزازًا واستباحةً لحرمة عاصمة المسلمين الوليدة بعد أن أخرجوهم من ديارهم، واستولوا علي أموالهم، وتآمروا علي قتل رسولهم (صلي الله عليه وسلم).. فخرج المسلمون يريدون اعتراض هذه القافلة التي كان يقودها أبو سفيان بن حرب، لكن أبا سفيان تمكن من الفرار، وأرسل رسولاً إلي قريش يطلب عونهم ونجدتهم، وأَخَذَ أبو جهل – لعنه الله- يُحَرِّض المشركين علي قتال سيدنا محمد (صلي الله عليه وسلم) وأصحابه، واستطاع أن يستنفر منهم نحو ألفٍ من المشركين، خرجوا لقتال النبي والمسلمين.. حينها تغير وجهُ العمليةِ تمامًا.. المسلمون يريدون حصارًا فقط.. والمشركون يريدون صداما وقتالاً، أرادوها حربًا ضروسًا لا هوادة فيها.

  • مبدأ الشوري

وأضاف د.أحمد سليمان: في هذا اليوم أراد النبي أن يرسي قيمة من القيم العليا التي تُبني عليها الأوطان، وهو مبدأ الشوري.. فقال لصحابته: أشيروا علي أيها الناس. فوقف أبو بكر وعمر وقالا:ً خيرًا يا رسول الله. ووقف المقداد بن عمرو وقال: «يا رسول الله امض لما أراك الله، فنحن معك، وكان هذا رأي قادة المهاجرين. وشاركهم في الرأي الأنصارِ بقيادة سعدُ بن معاذ.. وعندئذ تهلل وجهُ النبي (صلي الله عليه وسلم) فرحًا وبشرًا وسرورًا؛ لأنه أيقن أنَّ التربيةَ قد أثمرت ثمراتها اليانعة.

شَرَعَ النبي (صلي الله عليه وسلم) في تنظيم صفوفه، وهو يعلم تماما أنَّ ميزانَ القوي بين الطرفين غير متكافئ؛ فجيش المشركين كان ثلاثة أضعاف جيش المسلمين وكان مجهزًا بالعدة والعتاد.. ولكنَّ الرسول (صلي الله عليه وسلم) والمسلمين موقنون بأنِّه لا عبرةَ بكثرة العدد والعدة والعتاد إذا كان معهم مَنْ لا يغفل ولا ينام.

  • سلاح الدعاء

أخذ النبي (صلي الله عليه وسلم) يحث المسلمين علي القتال، ويبث فيهم الصبرَ والثباتَ، وتضرع إلي الله قائلاً: (اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم..). فاستجاب الله -عز وجل- لاستغاثة نبيه فغشي النعاسُ المسلمينَ ليلةَ المعركةِ، أمنة منه حتي يستريحوا مما نالهم من جهد وعناء السير والتجهيز.. فأصبحوا كالأسود الضارية في ساحة الوغي. وأصدرت القيادة الربانية أوامرَها إلي السماء لتنـزل ماءها؛ لتلبد الأرض تحت أقدام المسلمين،

لقد أيَّدَ الله عبادَه المؤمنين، وبَثَّ الرعبَ في قلوب أعدائهم. والرسول (صلي الله عليه وسلم) متضرع إلي الله، وأبو بكر يقول له: هوِّن عليك يا رسول الله، إنَّ الله منجز لك ما وعد، ويستيقظ النبي (صلي الله عليه وسلم) من إغفاءة ويقول: (أبشر يا أبا بكر.. إني أري جبريل الآن أخذًا بعنان فرسه يقود ألفًا من الملائكة مع المسلمين..)، يقول تعالي: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ).

وهكذا تغيرت مجريات الأمور تمامًا، ورَّد الله كيدَ المشركين في نحورهم.. وكان النصر للمسلمين من رب العالمين، يقول تعالي: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَي وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، حتي قال أبو جهلٍ لعبد الله بن مسعود (رضي الله عنه): لقد كُنَّا نري سيوفًا تهوي علينا ولا نري من يضربنا، فقال: إنهم ملائكة الله يا عدو الله. وهُزمت دولةُ الشركِ، ورجع المسلمون بنصرٍ مظفرٍ من رب العالمين، وهامة عالية، وسطع نورُ الإسلامِ، ودخل الناسُ في دين الله أفواجًا..

  • دروس وعبر

نتعلم من هذه المعركة أنَّ النصرَ مع الصبرِ، وأنه لا عبرة بعدد عدونا وعدته وعتاده إذا كان معنا الله.. وبث الأمل في قلوب المستضعفين في كل مكان، وأنَّ الظالم لابد له مِنْ نهاية، وأنَّ المظلوم لابد أن ينال حقه، ونتعلم أيضا أهمية الدعاءَ والضراعةَ واللجوءَ إلي الله جلَّ في علاه في أوقات الشدة والرخاء.. ونتعلم القيادة الحقيقية من سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم، حينما رفض عرض صاحبيه لأن يمشيا ويركب هو، رغبة في الأجر والثواب وتعليما لأمته من بعده.

وفي غزوة بدر استطاع رسول الله (صلي الله عليه وسلم) أن يرسي قيمة من القيم العليا البانية للمجتمعات وهي قيمة الشوري؛ لأننا إذا أخذنا بها وطبقناها، تحققت خيريتنا التي وصفنا الله تعالي بها، وصرنا خيرَ أمةٍ أخرجت للناس؛ ذلك لأن نظرية الشوري التي أرساها النبي (صلي الله عليه وسلم) في هذه الغزوة وفي غيرها وبصورة مُبكِّرة من عمر الإسلام، تؤكد أهميتها البالغة في حياة الأمم والشعوب باعتبارها من القيم العليا التي تبني عليها الأوطان المتحضرة، وقد كرَّم الله الشوري بأن خصص لها سورة منفردة في كتابه العزيز، ومارسها النبي (صلي الله عليه وسلم) نظريًّا وطبقها عمليًّا؛ لأن الشوري لا تأتي إلا بالخير ولا تنتج إلا خيرًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *