الثلاثاء , 19 مارس 2024
محمد الأمين الفاظل

أربعون موعظة في يوم واحد : فهل سيتعظ مزوروا الأدوية؟

أربعون جنازة وصلت إلى مغسلة الموتى التابعة ل “مسجد الرابع والعشرين” يوم الخميس الماضي (3 أكتوبر 2019)، هذا هو نصيب “مغسلة الرابع والعشرين” لوحدها من الجنائز ليوم الخميس الماضي، فإلى أين سيصل هذا الرقم إذا ما أضيفت له الجنائز التي تم تغسيلها في أمكنة أخرى؟

إننا نموت ودون أن نستعد لهذا الموت الذي يتخطفنا فرادى وجماعات وبسرعة رهيبة. طبعا هذا الرقم الذي نراه كبيرا (40 جنازة في يوم واحد) لا يعني شيئا بالنسبة لمن مات من البشر منذ ظهور أول إنسان وحتى الآن..يقدر العلماء عدد من مات من البشر حتى الآن بما يقترب من 110 مليار إنسان!
لا مفر من الموت ولا مهرب منه، والموت هو مقدمة لنعيم أبدي أو لشقاء أبدي، أما ما قبل الموت ـ ومنذ خلق الله آدم عليه السلام وحتى اليوم ـ فهو ليس بشيء، إذا ما قورن بما مضى من عمر الكون، أو إذا ما قورن بما هو قادم في عالم الآخرة.
أعمارنا ليست بشيء حتى وإن زادت على مائة عام، فبأي منطق نضيع هذه الأعمار؟ وأية حماقة أعظم من تفويت هذه الأعمار القصيرة جدا جدا جدا في الشرك بالله وفي قتل الأنفس البريئة وهو ما ستكون نتيجته خلود أبدي في شقاء أبدي.
قال جل من قائل :(( قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ)).
حياتنا كبشر ليست بشيء، منذ أن خلق الله أول إنسان وحتى آخر إنسان، وهذا يعني بأن حياة أي واحد منا ليست بشيء، فكيف لا نستغل هذا اللاشيء من أجل الشيء الكبير القادم، والذي لن يكون إلا نعيما أبديا أو شقاءً أبديا؟
إننا نعيش كبشر منذ خلق الله آدم وحتى موت آخر إنسان الدقائق الثمانية الأخيرة من عمر الكون!
يقدر علماء الفلك عمر الكون منذ حدوث الانفجار العظيم ب 13.7 مليار سنة. هذه الثلاثة عشر مليار سنة ضغطها “كارل ساجان” في سنة أرضية واحدة، أي في 365 يوما مع المحافظة ـ وبنسب دقيقة ـ على المسافات الزمنية التي تفصل بين الأحداث الكونية الكبرى.
بعد عملية ضغط 13.7 مليار سنة في 365 يوما التي قام بها “كارل ساجان” يكون تسلسل الأحداث الكونية الكبرى قد حدث وفق التسلسل الزمني التالي:
ـ الانفجار العظيم الذي حصل قبل 13.7 مليار سنة سيصادف الساعة الواحدة و12 دقيقة من فجر يوم 1 يناير، أي أنه حدث في الساعة الأولى من أول يوم من سنة “كارل ساجان” المضغوطة.
ـ أول مجرة في الكون ظهرت قبل 13 مليار سنة تقريبا، ويصادف ذلك يوم 22 يناير.
ـ مجرة درب التبانة التي تنتمي إليها مجموعتنا الشمسية تشكلت في منتصف سنة “كارل ساجان”، وتحديدا في يوم 6 مايو من تلك السنة.
ـ المجموعة الشمسية تشكلت منذ ما يزيد على 4.5 مليار سنة، ويصادف ذلك يوم 1 سبتمبر.
ـ أول ديناصور ظهر على وجه الأرض ظهر في يوم 26 ديسمبر (يمكن أن تلاحظوا بأننا بدأنا في دخول الأسبوع الأخير من السنة) !!
ـ أول الثدييات ظهرت قبل 200 مليون سنة ويصادف ذلك التاريخ يوم 27 ديسمبر من سنة “كارل ساجان”.
ـ اختفاء الديناصورات حدث في يوم 30 ديسمبر ..يمكنكم أن تلاحظوا بأن آخر يوم من سنة “كارل ساجان” كاد أن يمضي من قبل أن يظهر الإنسان على وجه الأرض!!
ـ أول ظهور للإنسان حصل قبل 8 دقائق فقط من نهاية السنة!! قال جل من قائل (( هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا)) وبالمناسبة فإن القرآن قد ضغط عمر الكون ليس في سنة بل في ستة أيام فقط ، قال جل من قائل ((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ)).
ـ ظهور المسيح عليه السلام حدث قبل 4 ثوان فقط من نهاية السنة، وهذه تساوي 2000 سنة من عمر الكون الحقيقي.
ـ ظهور الإسلام ونزول و الوحي على الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام حدث قبل 3 ثوان فقط من نهاية العام!! يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْن).
أما بقية الأحداث الأخرى : الفتوحات الإسلامية؛ الحملات الصليبية ؛ ظهور المغول ؛ سقوط الأندلس؛ تأسيس الإمبراطورية العثمانية؛ اكتشاف أمريكا؛ النهضة الأوروبية ؛ الثورة الفرنسية ؛ الحربان العالميتان الأولى والثانية؛ غزو الفضاء؛عصر الإنترنت؛ حرب الخليج؛ الربيع العربي؛ ظهور دونالد ترامب ..حتى قراءة هذه السطور . كل هذه الأحداث الكبرى حصلت في آخر ثانيتين من سنة “كارل ساجان”!!
لنترك هذه الحقائق الكونية الكبرى، ولنعد إلى الموت، وكفى بالموت واعظا، لنعد إلى الأربعين جنازة التي تم تغسيلها في يوم واحد وفي مغسلة موتى واحدة..فهل سيتعظ تجار الأدوية المزورة والمواد المنهية الصلاحية بهذا الرقم الكبير من الوفيات أم أن قسوة قلوبهم التي جعلتهم يبيعون السموم القاتلة ستمنعهم من أن يتعظوا؟
من الصعب جدا على صاحب فطرة سليمة أن يصدق بأن مسلما يوقن بأنه ميت لا محالة، ويؤمن بالحساب وبالبعث وبالجنة والنار، من الصعب جدا أن يصدق بأن هذا المسلم يمكنه أن يزور الدواء وأن يبيع السموم لقتل المزيد من الأنفس البريئة.
يصعب جدا أن نصدق ذلك، ولكن الحقيقة تقول بأن هناك في هذه البلاد من يزور الدواء ويبيع السموم، وهذه بعض الشهادات التي تؤكد ذلك:
كتبت الدكتورة زينب منت حيدي
إحدى قصصي مع الدواء المزور:
كنّا نعمل في المستشفى الوطني ١٩٩٩ و كانت عندنا صغيرة عمرها ٨ أشهر مصابة بالتهاب السحايا أو بورويس جربنا ampicilline ولم تتجاوب معها و في اقل من ٤٨ ساعة أبدلناها claforan وبدأت تتحسن ثم فجأة تدهورت صحتها ولم نفهم لماذا وذات ليلة بينما أبوها يكتب رقم السرير على الدواء لكي لا يختلط مع أدوية المرضى التي توضع في الثلاجة فوجئنا بالورقة التي كتب عليها claforan تسقط وتحتها ورقة أصلية كتب عليها ampicilline التي كانت الصغيرة لا تتجاوب معها و هنا أنبه أن ampicilline بمئتي أوقية و claforan بألف أوقية .
استدعينا وكيل الدولة آنذاك فأغلق الصيدلية التي اشترينا منها الدواء .. لكنها فتحت في الغد…الطفلة الآن معوقة و مختلة عقليا..

كتب الممرض محمد الأمين بويا أحمد
يحكى أن أحد موردي الأدوية زار ذات يوم الصين بغية استيراد شحنة من دواء Efferalgan وقد اتفق هناك مع خبراء التزوير على نقص المادة الفعالة في الدواء مقابل سعر أقل وهو ما تم فأدخل الشحنة الأولى منه إلى موريتانيا وبعد فترة ذهب من أجل جلب شحنة أخرى وهم بنقص المادة الفعالة مرة أخرى مقابل سعر أقل من السعر الأول فرد عليه خبير التزوير الصيني (ذماتل لاه إشنشن).
كتب الهيبة ولد الشيخ سيداتي مدير وكالة الأخبار المستقلة :
في يوليو 2014 أغلقت السلطات المالية شركة لتوزيع الأدوية بعد أن تبين أنها مصدر لعدد من الأدوية المغشوشة في السوق المالية، وكشفت التحقيقات حينها أن الشركة المعنية مملوكة لموزع أدوية في موريتانيا وأن مصدر أدويتها هو الشركة الأم في موريتانيا فأغلقت مالي الشركة وأحالت بعض موظفيها للتحقيق ومازالت الشركة الأم ومالكها في موريتانيا يمارسان نفس المهنة دون أي تحقيق أو مساءلة.
وكتب أيضا :
في إحدى المرات تقدم سلك الأطباء ممثلا في محاميه المقتدر ابراهيم أبتي بشكوى ضد شهادات مزورة لاثنين من أبناء أحد تجار الأدوية حصلا عليها من معهد مشبوه في الصين.
توصل قاضي التحقيق المتعهد في الأمر بعد إنابات قضائية للسفارة في الصين وبعد نسخ من جوازي سفرهما من إدارة الأمن لوثائق تثبت عدم اختصاص المعهد المذكور في الصيدلية.
ومن خلال وثائق الدخول والخروج من جهاز الأمن توصل لما يفيد بعدم إقامتهما في الصين لفترة كافية للحصول على شهادة في الصيدلة.
رفضت وتتالت الأحكام لصالح السلك قبل أن تتدخل جهات عليا ويغلق الملف، ومازال السيدان يمارسان أعمالهما وتتمدد الصيدليات المرخصة على أساس شهادتيهما.
(( قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ)).
حفظ الله موريتانيا..

محمد الأمين الفاظل / كاتب موريتاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *