ritأخبارتقارير خاصة

ولد لبات.. أيقونة اتفاق مصالحة السودان الذي حُمل على الأعناق

تدوينات ريم ـ تقارير ـ عندما كانت الشاشات تتناقل مشاهد فرح السودان بوأد أزمة الإطاحة بعمر البشير والاتفاق على أسس الحكم المدني، كانت الصورة المكملة لمشهد الفرحة توثق الاحتفاء بأيقونة إنجاز المصالحة وصانع بسمة وأمل الغد الديمقراطي المشرق لهذا البلد.

محمد الحسن ولد لبات مبعوث الاتحاد الأفريقي للأزمة السودانية الذي نجح إلى جانب الوسيط الإثيوبي وبجهود دول عربية شقيقة للسودان في جمع الأطراف السودانية حول كلمة سواء تعيد قطار الثورة الشعبية ضد البشير إلى سكة المصالحة والحكم المدني الدستوري الذي يبعد شبح الفوضى والخراب.

حمله السودانيون على أعناقهم فرحا وابتهاجا بالإنجاز، ونال تكريما رسميا من أعلى هرم ومستويات الحكم في السودان، خلال الحفل المهيب لتوقيع الوثيقة الدستورية المؤسسة للحكم المدني في السودان.

يقول المتابعون عن قرب للمشهد السوداني إن عظم الإنجاز وتاريخية الاحتفاء باللحظة يعودان إلى واقع المهمة الصعبة التي ارتمى فيها ولد لبات غداة تسلمه ملف الوساطة، حيث خيّم شبح العنف وسالت الدماء وتمترس كل طرف خلف مواقفه، وانعدمت الثقة بين الفرقاء.

لكن ولد لبات تمكن من تذليل كل الصعاب بحنكة، ووضع الاتحاد الأفريقي في صلب حل الأزمة السودانية، بل فرض الأجندة الأفريقية على مجموعة الترويكا الدولية، بعد أن اقتصر دور الأفارقة في أزمات القارة السابقة على مباركة ودعم تدخلات ووساطات الآخرين.

ومحمد الحسن ولد لبات مبعوث الاتحاد الأفريقي، موريتاني الجنسية، من مواليد 1953، من مدينة “واد الناقة” التي تبعد 50 كيلومتراً إلى الشرق من العاصمة نواكشوط.

درس ولد لبات، المحسوب على الفكر اليساري، في مرحلة الطفولة القرآن الكريم والعلوم الشرعية واللغوية على عادة أقرانه من أبناء جيله، قبل ولوج المدارس النظامية التي تخرّج مدرسا للتاريخ والجغرافيا.

غادر البلاد نحو السنغال، أواخر السبعينيات بعد الإطاحة بنظام الرئيس المختار داداه (1960-1978)، وتجربة اعتقال في سجون النظام العسكري المنقلب على ولد داداه، ليستأنف من كلية الحقوق بداكار السنغالية مجددا مشواره الدراسي.

انتقل ولد لبات بعد ذلك إلى فرنسا التي نال منها شهادة الدكتوراه في القانون المدني، ثم شهادة التبريز وإدارة بحوث الدكتوراه في الجامعات الفرنسية، قبل العودة إلى موريتانيا بعد استلام رئيسها الأسبق معاوية ولد الطايع الحكم 1984.

أسهم في تأسيس جامعة نواكشوط وفي كتابة دستور موريتانيا لسنة 1991، وهي السنة نفسها التي تولى فيها رئاسة جامعة نواكشوط، قبل أن يعينه الرئيس الموريتاني الأسبق ولد الطايع وزيرا للخارجية سنة 1997.

كانت تجربة الرجل في الخارجية التي استمرت زهاء سنة فاتحة لعهد جديد من العمل مع المنظمات الإقليمية والدولية.

عمل مبعوثا للمنظمة الدولية للفرانكوفونية التي أوفدته مبعوثاً إلى بوروندي، ثم وسيطا أفريقيا للحوار بجمهورية الكونغو ونجح في إيقاف حرب الإخوة الأعداء في هذا البلد. وهي تجربة كانت بوابته للعمل وسيطا ناجحا للاتحاد الأفريقي في أزمة السودان.

التماهي السوسيولوجي لشخصية محمد الحسن ولد لبات مع الشأن السوداني كان له الدور الأساسي في نجاح وساطته وفرض احترامه الشخصي على الفرقاء.

يكرر ولد لبات، في تصريحاته الإعلامية أثناء جولاته بشأن التفاوض، أن القواسم المشتركة والتشابه بين الشعبين السوداني والموريتاني يمنحانه معرفة دقيقة وخبرة إضافية في إدارة التفاوض بين الفرقاء، واستشف من تلك المعرفة وضوحا وصراحة كبيرين يعيشهما وفدا التفاوض داخل المفاوضات الرسمية.

وقال خلال مهمة وساطته إنه لم يشعر خلال وجوده في السودان بأنه في بلد غير موريتانيا، مضيفا: “هم (السودانيون) يحبون الجدل ويتقنونه، كما نحن (الموريتانيون) هناك نحب الشعر ويقال إننا نتقنه ونتميز فيه”.

يشار إلى أنه بعد تمكن ولد لبات من إحراز الاتفاق التاريخي بين الأطراف السودانية بلغت فرحة مواطني بلاده وجالية السودان بموريتانيا بالإنجاز درجة الرغبة في تنظيم استقبال يليق بمقامه بمطار نواكشوط وهو عائد لقضاء عطلة العيد.

ورفض ولد لبات الأمر، وغادر المطار من بوابة الطائرة، دون أن يمر على المحتفلين ربما لأنه لا يريد ما يشوش في نظره على الفرحة الحقيقية أنها فرح السودان باليوم التاريخي الـ17 من أغسطس/آب 2019 الذي شهد التوقيع النهائي على الوثيقة الدستورية الممهدة للحكم المدني وإنهاء حكم البشير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى