ritأخبارتقارير خاصة

موريتانيا: منسق التشاور يحيل إلى الأطراف السياسية وثيقة مرجعيةتثير جدلاً وانتقادات

تدوينات ريم ـ متابعات ـ  في خطوة جديدة على طريق الإعداد للحوار الوطني الشامل، أحال منسق التشاور الوطني في موريتانيا وثيقة مرجعية إلى مختلف الأطراف السياسية، تمهيدًا لانطلاق المرحلة المقبلة من المسار التفاوضي.
وتأتي هذه الخطوة في سياق جهود رسمية لحلحلة المشهد السياسي وتجاوز حالات الانسداد، غير أن مضمون الوثيقة سرعان ما أثار ردود فعل متباينة بين مرحّبٍ بها ومنتقدٍ لبعض مضامينها، في مشهد يعكس تباين الرؤى حول طبيعة الحوار وشروطه وأهدافه.
وتُلخّص الوثيقة التي اطلعت «القدس العربي» على مضامينها، نتائج المشاورات التمهيدية التي سبقت انطلاق الحوار، حيث شملت خارطة طريق تحدد الأهداف والمقاربة ومحاور النقاش الأساسية، في خطوة تمهّد لانطلاق ورشات الحوار الوطني خلال الأسابيع المقبلة.
وتتضمن خريطة الطريق عشرة محاور رئيسية، من بينها قضايا ذات طابع تاريخي وإنساني كالإرث الحقوقي، والعبودية ومخلفاتها، إلى جانب قضايا إصلاحية تتعلق بالحكامة والعدالة والتعليم والصحة والعقار، وملفات سياسية حساسة مثل مراجعة الإطار الانتخابي وتعزيز التعددية.
وتؤطر الوثيقة النقاش حول خمسة محاور إجرائية تشمل الأهداف المتوقعة، الموضوعات ذات الأولوية، وتحديد المشاركين، والمنهجية المعتمدة، وضمانات التنفيذ، وقد تم تطوير هذه الوثيقة استنادًا لاستبيانات شملت مختلف مكونات الطيف السياسي والمدني، في عملية تشاورية غير مسبوقة من حيث المنهج والشمول.
واقترحت الأطراف الفاعلة إشراك طيف واسع من المكونات، من الأحزاب السياسية المرخصة وغير المرخصة، إلى مرشحين رئاسيين سابقين، ومنظمات المجتمع المدني، وممثلي الجاليات الموريتانية في الخارج، وشخصيات وطنية مستقلة.
كما اقترحت الوثيقة اعتماد منهجية قائمة على تنظيم ورشات متخصصة لكل محور، بتيسير من لجان مشتركة تضم منسقين ومقررين، واعتماد التوصيات بالتوافق، على أن تُعرض مخرجات الورش في جلسات ختامية تحت رعاية الرئيس.
وتنص المقترحات كذلك على تشكيل هيئة توافقية دائمة لمتابعة تنفيذ التوصيات، مع إعداد جدول زمني واضح، وتوفير تغطية إعلامية مفتوحة لمجريات الحوار.
ويُنظر إلى هذا الحوار بوصفه محاولة لتجاوز أزمة الثقة التي خيمت على المشهد السياسي منذ سنوات، وتسببت في توترات مزمنة بين السلطة والمعارضة، إذ عانت البلاد من انقسامات عميقة، لم تقتصر على التنافس الانتخابي، بل طالت قواعد العملية السياسية نفسها وأثرت في النسيج الاجتماعي، وهو ما بات يهدد السلم الأهلي، بحسب ما ورد في الوثيقة التمهيدية.

تقترب من إطلاق حوار سياسي وطني شامل

وتقترح لحوار مراحل أربع لتنفيذ خارطة الطريق، تبدأ بمرحلة التحضير واللوجستيات (30 يومًا)، تليها مرحلة النقاشات داخل الورشات (30 يومًا)، ثم الجلسات الختامية (3 أيام)، وأخيرًا مرحلة متابعة التنفيذ، التي يُنتظر أن تُتوّج بإصدار إعلان وطني ملزم وتشكيل هيئة متابعة، وسنّ قانون إطار لتطبيق التوصيات.
وفي مقال تحليلي جديد، ثمّن الرئيس السابق للجنة الوطنية لحقوق الإنسان، الأستاذ أحمد سالم بوحبيني، الجهود المبذولة في إعداد خارطة طريق الحوار الوطني المرتقب في موريتانيا، واصفًا إياها بأنها «نتاج عمل جاد وموضوعي»، لكنه في الوقت ذاته حذّر من أن يتحول الحوار إلى «أسلوب دائم في الحكم»، داعيًا إلى ضرورة وضع حدود واضحة له داخل النظام الديمقراطي.
واعتبر بوحبيني «أن منسق الحوار الوطني، موسى فال، أدّى مهمته «بكل أمانة وصرامة»، من خلال نقل نتائج المشاورات التمهيدية دون توجيه أو تحريف، مشيدًا كذلك «بروح الانفتاح التي عبّر عنها رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني بإطلاقه لهذه المبادرة».
وأكد بوحبيني، في مقاله، أن الحوار الوطني لا ينبغي أن يتحوّل إلى «إدارة موازية للدولة»، موضحًا أن مسؤولية الحكومة في الأنظمة الديمقراطية هي الحكم ووضع السياسات وتنفيذها، بينما تقع على عاتق المعارضة مهمة النقد وتقديم البدائل.
واقترح بوحبيني، بالمقابل، إطلاق مشاورات قطاعية يقودها المهنيون والخبراء، بدل التركيز المفرط على النقاشات السياسية، مؤكدًا أن هذه المقاربة ستُسهم في بناء سياسات قائمة على الكفاءة والمعطيات لا على التوازنات الحزبية.
ودعا إلى تنظيم نقاشات يشارك فيها مدرسون لإصلاح النظام التعليمي، وأطباء لاقتراح حلول لمشاكل الرعاية الصحية، وقضاة لتطوير العدالة، ومهندسون واقتصاديون لتقييم أفضل طرق استغلال الثروات الوطنية. كما طالب بإشراك خبراء – وخصوصًا الأجانب – في نقاش حول مستقبل البلاد الجيوسراتيجي، في ظل الطفرات المتوقعة في مجالات الغاز والهيدروجين الأخضر.
واعتبر الدكتور محمد عالي الهاشمي، الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي، أن الحوار الوطني المرتقب في موريتانيا مهدد بفقدان معناه الحقيقي، إذا استمر في تجاهل القضايا الجوهرية التي تمس هوية الدولة وبنيتها السياسية والاقتصادية.
وفي مقال تحليلي، تساءل الهاشمي عن الأهداف الحقيقية من إطلاق الحوار الوطني، قائلاً: «هل نبحث عن توافق وطني جاد، أم نُحاول تسويق تعايش سطحي هش؟».
وتأتي هذه الانتقادات في وقت تتواصل فيه المشاورات التمهيدية بين منسقية الحوار ومختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، وسط تباين في المواقف بشأن شكل الحوار ومضامينه وضمانات تنفيذه.
ومع عودة الحديث عن «حوار وطني شامل»، تنقسم الساحة السياسية بين مؤيد متحمّس يعتبرها فرصة لترميم البيت الداخلي، ومتشكك يتخوف من إعادة إنتاج تجربة «التشاور من أجل التشاور». ويعتبر النائب بيرام الداه اعبيد، أحد أبرز الأصوات الرافضة حتى الآن للمشاركة، حيث اشترط اعتراف السلطات بحزبه، وتسوية ملف قتلى احتجاجات كيهيدي 2024، إضافة إلى مطالبته بإشراف جهة محايدة على الحوار بدل وزارة الداخلية.
وفي خلفية الجدل، تُطرح أسئلة جوهرية: من يمثل من؟ وهل يملك منسق الحوار، موسى فال، قدرة على تنظيم مسار توافقي فعلي؟ خاصة وأن طريقة استقطاب المشاركين أثارت انتقادات واسعة، بعد انفتاح المنسق على عشرات المنظمات ذات الحضور الضعيف أو المصداقية المشكوك فيها، مما اعتبره البعض محاولة «لتمييع» الحوار بدل توسيعه.
كما أن غموض معايير اختيار ممثلي الجاليات، وعدم وضوح آليات تصنيف المشاركين، يثيران قلقًا حقيقيًا بشأن جدية التمثيل وشرعية النتائج المحتملة.
ولعل أبرز ما عبّر عنه الرئيس ولد الغزواني في لقائه بالأغلبية والمعارضة يوم 11 مارس 2025، هو التزامه الشخصي بأن يكون هذا الحوار «فرصة لحل القضايا الجوهرية المتعلقة بالوحدة الوطنية والحكامة»، في محاولة لطمأنة المترددين والمشككين.
وقد شهدت البلاد خمسة حوارات سياسية خلال العقدين الأخيرين (2004، 2005، 2007، 2017، و2018)، لكنها جميعًا انتهت إلى نتائج جزئية.
وفي نهاية المطاف، فإن الحوار السياسي الجاري التحضير له قد يكون فرصة تاريخية للقطيعة مع ممارسات الماضي، وبناء تعاقد وطني جديد يُخرج البلاد من دوامة الانقسام والشك المتبادل. لكنه، في غياب آليات صلبة للتنفيذ، وضمانات للشفافية والشمول، قد يتحول إلى محطة أخرى لتكريس الإحباط، وتعميق الهوة بين الموريتانيين. فهل تكون موريتانيا أخيرًا على موعد مع حوار يغيّر المعادلة؟

 

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى