تدوينات ريم – مقابلات – قالت الناشطة الحقوقية الموريتانية البارزة، مكفولة بنت إبراهيم، والتي فازت مؤخرا بالجائزة الإقليمية الأفريقية المقدمة من مؤسسة “فرونت لاين ديفندرز” (Front Line Defenders) لعام 2020، إن الجائزة بالنسبة لها تعني الكثير والكثير؛ فهي تشجعها على مواصلة عملها والإيمان بأفكارها، وتؤكد لها أنها على الطريق الصحيح.
وأضافت، في مقابلة صحفية أن “الجائزة تعني لي أيضا تثمين وتقدير الجهود التي أبذلها، كما تساعدني نفسيا، وتبعد عني الإحباط الذي كان قد بدأ يصيبني”.
وفازت “مكفولة” بالجائزة الدولية على خلفية الدور الذي تقوم به الجمعية الحقوقية التي قامت بتأسيسها قبل سنوات، وهي “من أجل موريتانيا خضراء وديمقراطية”.
وأضافت: “تقوم جمعيتنا بدور توعوي لا يُستهان به، وأتحمل الجزء الأكبر في هذا الصدد، كما تقوم بدعم الاستقلالية المادية لنساء الريف وتوعيتهن بضرورة العمل ومواصلة الدراسة بالنسبة لفتياتهن، ونسعى لتجذير أسس الديمقراطية عن طريق الإعلام وبواسطة برامج تنتجها المنظمة كحرية الرأي، وتكافؤ الفرص، والعدالة، والمساواة، وضرورة الاستفادة من التنوع الثقافي الموجود بالبلد، ونقوم بذلك عبر حجز مساحات في التلفزيون أو الراديو”.
ورأت أنه من النجاحات التي استطاعوا تحقيقها هي “فتح باب النقاش حول دور الدولة كمؤسسة ينحصر دورها في تلبية احتياجات المواطن من الصحة والتعليم والبنية التحتية، إلا أنها غير مسؤولة عن مصير المواطن بعد الموت. وهذا النقاش وصل إلى أن بعض الشباب أصبح يطالب علنا بعلمانية الدولة بدلا من استغلال الدين في تجهيل المواطن”، بحسب قولها.
وتابعت: “أنا أقول فقط إننا فتحنا باب النقاش، كما أصبحت النقاشات الخاصة بالحقوق تُثار يوميا على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي غالب الأحيان يتم كسر التابوهات المجتمعية المعيقة”.
“مضايقات وتهديدات وضغوط”
وقالت الناشطة الحقوقية الموريتانية إنها لا تزال تواجه مضايقات وتهديدات وضغوطا بسبب عملها الحقوقي، فضلا عن “محاولات التتفيه والتشويه حتى لا يُعجب الشباب بنا، ويُمارس ذلك حتى من جهات عليا وجهات حقوقية ترعاها الدولة الموريتانية”.
وأضافت أن هناك العديد من التحديات التي تواجه العمل الحقوقي بشكل عام في موريتانيا، ومنها قوة اللوبيات التقليدية، وسيطرتها على المنابر الإعلامية، بالإضافة إلى عدم تشجيع السلطات لأي عمل حقوقي واكتفائها بالمشاهدة والمتابعة والتخاذل في صياغة قوانين تدعم المواطن بغض النظر عن جنسه ولونه”.
ولفتت “مكفولة” إلى أن جائحة كورونا كان لها تداعيات كبيرة عليهم، حيث توقفت أنشطتهم المعتادة، مضيفة: “يمكن القول إن العمل المباشر توقف تماما، وبقي فقط النشاط الإلكتروني”.
وأكدت أن “المرأة في المجتمع الموريتاني تواجه تحديات مختلفة، كالعادات والتقاليد التي تندحر أمامها القوانين وقوة السلطة التنفيذية والقضائية، كما تواجه سيطرة الإسلام السياسي على المجتمع وتغلغله في السلطة وفي الإدارات واتخاذه الدين عصا ترفع في وجه كل مناهض أو غير مساير لتوجهات ذلك التيار”، وفق قولها.
وأوضحت أن موريتانيا تسعى للقضاء على العبودية، وتسير في طريق تجرم العبودية بالقانون وتتعاون من أجل تقديم الجناة إلى العدالة، وإن كانت بطريقة خجولة جدا، لأن العادات والتقاليد أقوى من أي سلطة في البلد.
“التداول السلمي للسلطة”
وعبّرت عن تمنيها أن يكون “التداول السلمي للسلطة سنة في المجتمع الموريتاني، ونستبشر به، وأن يكون التبادل على الحكم مدنيا، وأن يظل الجيش يراقب الحوزة الترابية، ويراقب تعاقب السلطات مدنيا دون أن يتدخل”، مستنكرة “مسار التعامل مع المظاهرات، ومع المدونين، وتناقص المساحة التي يتحركون فيها”.
وثمنت “مكفولة” دور المعارضة الموريتانية قائلة إنها “تقدر حجم حساسية الوضع الاقتصادي والجيوسياسي الذي تمر به موريتانيا، ولا تسعى إلى إثارة الوضع الصعب، خاصة في ضوء جائحة كورونا؛ فهناك ما يشبه الأزمة الغذائية، وهناك ضعف الأداء الحكومي الذي لم يعد بالإمكان إخفاؤه، بخلاف الإرهاب في منطقة الساحل”.
ونوّهت إلى أن “الجيش سيظل هو صانع القادة في موريتانيا، حتى تنضج النخبة السياسية”، مؤكدة أن “تدخل المؤسسة العسكرية في الأوضاع السياسية والاقتصادية بالبلاد أصبح أمرا لا نقاش فيه لأنه واضح وضوح الشمس في ضحاها، حيث نرى ذلك بشكل جلي في اختيار الشخصيات الممثلة للشعب، ونراه كذلك في تقسيم المناصب المدنية وغيرها”.
وصناعة الجيش الموريتاني لمختلف الرؤساء، وفقا لمكفولة، لا يُعد “أمرا فارقا أو نادرا في المنطقة العربية والأفريقية، لأنه بات معهودا منذ سنوات بشكل علني وآخر خفي، ويتضح ذلك بشكل جلي سواء في الجزائر ومصر أو غيرهما من مختلف الدول العربية والأفريقية”، مضيفة: “أصبحت الانقلابات العسكرية هي الطريق الأيسر والأسرع إلى القصر الرئاسي”.
“تراجع مكانة الجيش”
ولفتت إلى أن مكانة الجيش تتراجع منذ أول انقلاب عسكري حدث في 10 تموز/ يوليو 1978، وهو الذي يتحمل المسؤولية الكاملة عن ذلك، بسبب ممارساته التي تجاوزت كل الحدود، وباتت لا تمت للدستور بصلة؛ فقد أصبح هو الفاعل الرئيسي – إن لم يكن الوحيد- في الحياة السياسية، حيث أنه منذ عقود صار يزاحم بشدة القوى المدنية في إدارة الشأن السياسي سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة”.
واستطردت قائلة: “العسكريون فقط هم المنظمون إلى حد كبير، وهم الممسكون بيد من حديد بزمام السلطة. ويبدو أنه لا يلوح في الأفق حتى الآن أن علاقة الجيش بالسياسة ستنقطع في وقت قريب لأسباب مختلفة أهمها أن العسكر رسّخوا وشرعنوا تواجدهم بالحياة المدنية بغطاء سياسي من قِبل مَن يفترض أنها قوى سياسية مدنية أصبح معظمها في حالة ضعف وتشتت، بالإضافة إلى أن المجتمع الدولي ينظر للجيش الموريتاني باعتباره ضامنا أساسيا لمصالحه”.
وذكرت “مكفولة” أن “الارتباك لا يزال مسيطرا على المعسكرين الرئيسيين المعارضة والموالاة، ويبدو أن هذا الارتباك سيستمر لفترة مقبلة؛ فنحن نعتمد وننتظر المعجزات السماوية وليس على تقديم الحلول العملية لمعالجة الأزمات”.
وبمناسبة اليوم الدولي للمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان في 9 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، احتفلت مؤسسة “فرونت لاين ديفندرز” بنخبة من المدافعين عن حقوق الإنسان في حفلها السنوي الذي يُقام في العاصمة الإيرلندية دبلن. وتم تنظيم الحفل هذا العام افتراضيا عبر الإنترنت، نظرا لتفشي جائحة COVID-19.
وأُنشئت جائزة “فرونت لاين ديفندرز” السنوية للمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان المعرضين للخطر في عام 2005 لتكريم عمل المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يقدمون مساهمات بارزة في الدفاع عن حقوق الإنسان للآخرين والنهوض بها، وغالبا ما يتعرضون لخطر شخصي كبير.