موريتانيا تقطع خطوة أخرى نحو استثمار موارد الغاز
كثفت موريتانيا جهودها المتواصلة لإنعاش اقتصادها الفقير بالتركيز أكثر على قطاع الغاز لتحقيق أقصى استفادة منه في بلد عانى طويلا من شح في الموارد مع اقتراب إنتاج أول حقولها في وقت لاحق هذا العام.
ووجهت نواكشوط أنظارها منذ فترة إلى موارد الغاز حتى تساعدها إيراداته مستقبلا في ترسيخ إصلاحات اقتصادية تقطع مع الماضي في التعامل مع الاستثمارات والإنتاج بهدف التحول من الاكتفاء الذاتي إلى مرحلة التصدير.
ويقول خبراء إن حاجة الأوروبيين إلى مصادر مستدامة لتوفير الإمدادات بعيدا عن روسيا جراء حربها في أوكرانيا تتيح فرصة ثمينة للبلد لعقد شراكات إستراتيجية ستجعلها تجني الكثير من المكاسب تدعم بها مختلف مناطق البلاد المتعطشة للتنمية.
ومع أن أضعف اقتصادات المغرب العربي يعتمد بشكل كبير على الصيد البحري، ولا ينتج سوى 5 آلاف برميل يوميا من النفط، إلا أنه يطمح لدخول نادي الدول المصدرة للغاز بعد اكتشاف كميات هائلة على سواحله الأطلسية في السنوات الأخيرة.
وتوجت السلطات مساعيها بإبرام اتفاقية جديدة الثلاثاء الماضي مع عملاق الطاقة شل لاستكشاف وتقاسم الإنتاج بالرقعة سي 2 في الحوض الساحلي بالمياه الإقليمية.
شل في منافسة مع بي.بي وكابريكورن البريطانيتين وتوتال إنيرجيز الفرنسية وكوسموس إنرجي الأميركية لتطوير الحقول البحرية
ويهدف العقد، الذي أبرمه وزير البترول الموريتاني عبدالسلام ولد محمد صالح والنائب الأول لرئيس شل ويليام لانجين، إلى توسيع دائرة الاستكشاف والمسوحات الزلزالية ثلاثية الأبعاد، في بعض الأماكن المحددة المحتملة لتواجد مصادر الطاقة التقليدية.
ونقل بيان للوزارة نشرته على صفحتها الرسمية في فيسبوك عن صالح قوله على هامش توقيع الشراكة إن الاتفاق، الذي يتعلق بالرقعة سي 2 “يهدف إلى استثمار موارد الطاقة ودمج قطاع المحروقات في النسيج الاقتصادي”.
وأشار إلى أن شل أجرت مسوحات زلزالية ثلاثية الأبعاد خلال المرحلة الحالية من التنقيب على مستوى الرقعة سي 10، والذي أفضى تحليل بياناته إلى تحديد بعض الأماكن المحتملة لتواجد الوقود الأحفوري.
أما لانجين فقد أكد أن “الشركة ترحب بالشراكة مع موريتانيا من خلال عقود المشاركة والإنتاج التي تجمعنا”. وأضاف “نعمل معا لمواصلة تعاوننا من أجل مستقبل مثمر”.
ويعكس نشاط شل وشركات أخرى منافسة وهي بي.بي وكابريكورن البريطانيتان وتوتال الفرنسية وكوسموس الأميركية جاذبية موريتانيا وقدرتها على استيعاب الاستثمارات الأجنبية الكبيرة.
وتأتي الخطوة بعد قرابة ثلاثة أشهر من إبرام وزارة البترول عقدين مع بي.بي وكوسموس يقضيان ببدء الاستكشاف وتقاسم الإنتاج لاحقا في حقل الغاز بيراللّه، الذي يعتبر الأكبر حتى الآن.
100
تريليون قدم مكعبة حجم الاحتياطات المؤكدة حتى الآن وأغلبها في حقل بيرالله العملاق
ووفق بيان لوزارة النفط نشرته على حسابها في فيسبوك خلال أكتوبر الماضي يتعلق الأمر “بحقل غازي من المستوى العالمي يقع في الرقعة سي 8 باحتياطي يقارب 80 تريليون قدم مكعب”.
ويقع حقل بيراللّه، الذي تصل نسبة موريتانيا فيه نحو 29 في المئة، على بعد نحو 60 كيلومترا شمال حقل السلحفاة آحميم المشترك مع السنغال وعلى بعد مئة كيلومتر من الساحل في المياه الإقليمية.
ومن المتوقع أن تنتهي الدراسات الهندسية للمشروع خلال 30 شهرا، بعدها يتم اتخاذ قرار الاستثمار النهائي في النصف الأول من عام 2025.
وتقول الحكومة إنها أكملت بالفعل مخططات استغلال حقولها الخالصة من الغاز الطبيعي المسال، في وقت تتصاعد الحاجة الدولية إليه في ظل استمرار الأزمة الناجمة عن الحرب الروسية على أوكرانيا.
وأعلنت العام الماضي أن احتياطات الغاز المكتشفة تقدر بأكثر من 100 تريليون قدم مكعبة، من ضمنها حقل السلحفاة والبالغة نحو 25 تريليون قدم مكعبة، والذي تطوره بي.بي وكوسموس.
وينتظر أن تبدأ البلاد بيع أول شحنة غاز نهاية العام الجاري من الحقل المعروف باسم “مجمع تورتو الكبير”، والذي وصلت مراحل إنشائه نحو 90 في المئة، وفق تصريحات أدلى بها صالح مطلع هذا الأسبوع.
ومن المتوقع أن ينتج الحقل، الذي تم اكتشافه في 2015، نحو 2.5 مليون طن سنويا في مرحلته الأولى على أن يتضاعف الإنتاج بعد انتهاء المرحلة الثانية، والتي تمثل نصف الطاقة الإنتاجية المستهدفة سنويا.
ويرى خبراء الطاقة أنه مع بدء استغلال الاحتياطات، ستصبح موريتانيا الثالثة على مستوى أفريقيا بعد نيجيريا والجزائر، في مجال تصدير الغاز.
ويتطلع الموريتانيون إلى أن تسهم عائدات ثروة البلاد من الغاز في تحسين ظروفهم المعيشية مع وجود 31 في المئة من المواطنين ضمن دائرة الفقر وتوفير فرص عمل للشباب، حيث تصل نسبة البطالة 30 في المئة في البلد البالغ عدد سكانه نحو 4 ملايين نسمة.
وواجهت استثمارات الغاز قبل الاكتشافات الفعلية للغاز في عام 2019 تحديات كثيرة، أبرزها ضعف السياسات الاقتصادية وتفشي الفساد وغياب الحوكمة الرشيدة، إضافة إلى تردي البنية التحتية وانعدام الكفاءات المحلية المتخصّصة في مجال الطاقة.
ويعتبر صندوق الهيدروكربونات الوطني المملوك للدولة، الذي ينشط في مجال استكشاف وتطوير وتشغيل وتسويق النفط والغاز، خزينة مهمة لجميع إيرادات الدولة المباشرة والغير مباشرة.
ويتوقع أن تساهم عائدات الغاز في إنعاش الاقتصاد الموريتاني ورفع احتياطاته من العملة الصعبة التي تخطت ولأول مرة حاجز الملياري دولار.
وتحاول السلطات تعزيز معدلات النمو إلى فوق سبعة في المئة بعد سنوات من التراجع الحاد، إذ اتخذت قرارا منذ 2018 بإشراك القطاع الخاص في المشاريع الإستراتيجية الحكومية.
ولذلك تراهن على إحداث قفزة في قطاع الطاقة وتحفيز الشركات على الاستثمار في المجال، وإقامة شراكات جديدة مستقبلا بهدف التحول من مرحلة الاكتفاء الذاتي إلى مرحلة التسويق خارجيا.
وعانى البلد لسنوات من أزمة مالية جعلته يلجأ مرارا للاقتراض الخارجي، في ظل ركود محركات النمو الإستراتيجية نتيجة موجة الجفاف التي تضرب شمال أفريقيا.
والشهر الماضي قال الوزير الأول الموريتاني محمد ولد بلال، إن “خطر المديونية الخارجية المفرطة” في بلاده بات في حدود المتوسط، مع انخفاضها إلى 41.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وكانت نسبة الدين الخارجي في العام 2019 تزيد عن 63 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، والتي تشير التقديرات إلى أنه يتجاوز بقليل حاجز الثمانية مليارات دولار.